29 حزيران 1832

7 تمّوز 1832

1839

1842 – 1846

1853

9 شباط 1855

10 شباط 1856

1858

27 شُبَاط 1860

1863

1864

12 تمّوز 1871

1864-1871

1871

25 آب 1872

1885

1897

1899

1906

23 آذار 1914

11 شباط 1982

17 تـشـرين الثاني 1985

2000

10 حزيران 2001

القدّيسة رفقا

29 حزيران 1832

7 تمّوز 1832

1839

1842 – 1846

1853

9 شباط 1855

10 شباط 1856

1858

27 شُبَاط 1860

1863

1864

12 تمّوز 1871

1864-1871

1871

25 آب 1872

1885

1897

1899

1906

23 آذار 1914

11 شباط 1982

17 تـشـرين الثاني 1985

2000

10 حزيران 2001

ألأعجوبة الّتي على أثرِها أُعلِنت قداسة رفقا (شفاء الطفلة سيلين ربيز)

وُلِدَت سيلين في 10 أيّار 1983. في أحدِ أيّام تشرين الأوّل 1984، كانت عندَ جَدَّتِها، وعلى غَير عادَتِها بقيَت نائِمة طوالَ النهار. تَوَجَّهَ بها أهلُها مساءً إلى الـمستشفى حيثُ أُجرِيَ لها فحصٌ للـ(Méningite)، ولَم يتبيَّن شيءٌ للأطبّاء. بدأ بطنُها ينتفخ. لم ينتبهِ الأهلُ بدايةً لإجراء فحوصاتٍ طبّيَّةٍ لها، وعندما كانت الوالدة تقول للطبيب أنّ بطنَ سيلين ليس طبيعيًّا، كان جوابُهُ بأنَّ هذا هو شكلُها. في تمّوز 1985، بدأت سيلين النَزف. أجرى لها الأطبّاء الصُوَر والفحوصات اللازمة فتبيّن أنّ الطفلة مصابة بالوَرَم الخبيث في الكلية الّتي بلغ وزنها ال750 غرام. بدأت سيلين تخضع للعلاج الكيميائيّ وتوقَّفَت عن تناول الطعام وخفّ وزنُها كثيرًا. في 15 أيلول 1985، خضعت لعمليّة جراحيّة ونُزِعَت كليَتُها. في هذه الفترة نَذَرَها أهلُها وألبَسوها الثوب الأسود. كانت الأمّ تُصَلّي للعذراء مريم طالبةً منها شفاء ٱبنتِها. كانت تُصلّي لله وتقول: "لتَكُن مشيئتُك".

يوم السبت 16 تشرين الثاني 1985 عاوَدَ النَزفُ سيلين، هذه الـمرّة من أنفها وأذنَيها. فٱصطحبَها أهلُها إلى الطبيب الّذي تَمَكَّن بصعوبة من أخذ عيّنة من دَمِها لأنّ عروقَها كانت قد نَشَّفت من الدَمّ. بنتيجة الفحص قرَّر الطبيب إدخالها الـمستشفى من جديد. هناك أجرى الطبيب الصورة وتبيّن أنّ الوَرَم في الكبد. لم يأتِ الطبيبُ الـمناوِب إلى الـمستشفى لأنّه كان على علم بأنّ الورمَ الخبيث بدأ في الكبد وبأنّ مسألة الشفاء صعبة، لا بل مستحيلة. في الـمستشفى، لم يتمكّنوا من تعليق الـمصل لسيلين لأنّ عروقَهت كانت قد نَشَّفت. حاولوا إيجادَ عِرقٍ في رأسِها فلَم يُفلِحوا. هنا قَطَع الأطبّاءُ الأمل وقالوا بأنّ الطفلة لا يُمكِن أن تعيش أكثر من 24 ساعة. رَفَض الأهل تصديق الخَبَر بالرَغم من أنّ خالَتَها الـممرِّضة أكَّدَت لَهم بأنّ الطفلة قد ماتت، من الناحية الطبّيّة. راحت الأمّ تصلّي إيمانًا منها بأنَّ الله لا يشاءُ موتَ سيلين. في 17 تشرين الثاني أُعلِنَت رفقا طوباويّة. فقرأت الجدّة في مجَلّة بأنّ الطوباويّة رفقا تشفي الـمرضى بواسطة ترابٍ عن قبرِها. فراحت تفتّش للحصول على بعضٍ منهُ. وبالفعل في 23 تشرين الثاني حصَلَت من السيّدة كبّابة ابراهيم على بعضٍ منه. وَضَعَتِ الأمُّ التراب في ملعقة مع بعض من الـمهلبيّة وحاولت أن تُطعِم سيلين. أكلَت سيلين الصحن بكامِلِه. ولـمّا طلَبَت الأمّ صحنًا ثانيًا سخرت منها الـممرِّضات لأنّ سيلين كانت قد توقّفت عن تناول الطعام منذ مدّة. فاعتَقَدنَ بأنّ الوالدة هيَ مَن تأكُل الـمهلبيّة. والواقع أنّ الطفلة تناولت الصَحن الثاني أيضًا. 

في ذلك اليوم كان الطبيب قد أجرى لسيلين فحص "Biopsie" الّذي يُجبِرُ الـمريض على النوم مدّة 48 ساعة متواصلة. وعندما رآها الطبيب تسيرُ في الـممشى أصابَهُ الذُهول. حارَ الأطبّاءُ في أمرِهم عندما رأوا تحسُّن حالة سيلين. فسمحوا لهم بـمغادرة الـمستشفى على أن يعودوا بعد ثلاثة أيّام لإجراء العمليّة الجراحيّة واستئصال الـمرض من الكبد. ربّما سَمَحوا لهم بالـمغادرة كي لا تموتَ سيلينُ في الـمستشفى. بعدَ الـمغادرة اصطَحَبَت الجَدَّةُ سيلين لزيارة ضريح الطوباويّة رفقا في جربتا. هناك وضَعَتها عندَ القَبر وراحَت تُصلّي إلى الطوباويّة الجديدة لتشفي الطفلة، وقصَّت خصلةً من شَعرِها وطَمَرَتها بالتُراب. بعد ثلاثة أيّام قام الأهلُ بزيارة الطبيب الذي أجرى لها فَحصَ الدَم. وما إن وَضَعَ يَدَهُ على كبد سيلين حتّى أصابَهُ الذهول. وصرخ: "ماذا فعلتُم للطفلة؟ أين الوَرَم؟". وَضَعَها على السَرير وأخذَ قياسَ الكبد، فاكتشف بأنَّهُ عادَ إلى حالتِه الطبيعيّة. عندَها قال الطبيبُ للأهل: لَم تَعُد سيلين بحاجة لعمليّة. وبناءً على طَلَب الوالد، كتَبَ الطبيبُ تقريرَهُ. توجَّه الأهلُ بعدَها إلى الطبيب الجرّاح الّذي قرأ التقرير وفَحَصَ سيلين، فتأكَّدَ بأنّ الكبد عادَ إلى حجمِهِ الطبيعيّ. وهكذا عادَت سيلين إلى حياتِها الطبيعيّة.




روحانية القديسة رفقا

"أعرف الْمَسِيح وأعرف قوّة قيامته والمشاركة في آلامه فأتمثّل به في موته، لعلّي أبلغ القيامة من بين الأموات")في 1: 10-11)

على مثال القديس بولس تقبّلت رفقا درب الموت بآلامها منذ حداثتها، بموت أمّها وتغرّبها عن البيت الوالديّ، حتّى فترة مرضها الأخير قبيل موتها، بقلع عينها وتفكّك عظامها. فدرب آلامها راح يتماهى تدريجيًّا، يومًا بعد يوم، بدرب آلام يسوع المسيح، حتّى وصلت في نهاية حياتها إلى ذروة اتّحاد جوهريّ بآلامه. 


بموت أمّها أدركت رفقا أنّ حمل الآلام لا يتمّ بدون مشاركة، فراحت تشارك أبيها بألم موت أمّها المبكر. وبواسطة مشاركة أبيها بآلامِهِ، راحت رفقا تدرك، رويداً رويداً، سرَّ الاشتراك بآلام المسيح الخلاصيّة. غير أنَّ لهذه الطفولة التي عاشتها تداعيات أُخرى في حياتها الروحيّة والرهبانيّة. فعلى سبيل المثال، اليُتم الذي عاشته دفعها لفهم معنى الأمومة وعمق هذه الرسالة، ما ساعدها على اكتساب الأمومة الروحيّة الّتي عاشتها في جوّ ديرها بين أخواتها الراهبات. كما وأنّ فقرها وعوزها اللذَين عانت منهما في طفولتها أفهماها سرّ الفقر فعاشته باختيارها في إطار الحياة الرهبانيّة. 

في إطار الآلام، وعلى مثال السيّد المسيح، راحت رفقا تبحث عن مشيئة الله قائلة مع المسيح " لا مشيئتي بل مشيئتك" (لو 22: 42). لم تبحث رفقا، من البداية، على تحقيق مشيئتها الخاصّة باعتناق الحياة الرهبانيّة، فقد كانت تبحث بجدٍّ عن مشيئة الله من خلال التمييز الروحيّ حين كانت تقصد الـخُورِي يُوسفُ الجمَيِّل في دير سيِّدة النجاةِ في بِكفيَّا. ميّزت كثيرًا وصلّت بٱستمرار فأنعم الله عليها بإجابة واضحة على لسان العذراء سيّدة النجاة التي أكّدت لها وقالت "إِنَّكِ تَتَرَهَّبِين". ومن خلال تلبيتها السريعة أظهرت رفقا طاعة بنويّة للآب السماويّ.

لذلك، في إطار الحياة الرهبانيّة، بحثت رفقا عن كيفيّة الدخول بعمقٍ في سرّ آلام المسيح. راحت من خلال خدمتها تشارك المسيح بإخلاء ذاته واتّخاذهِ صورةَ العبد. فعُرفت بفضيلة التواضع إذ كانت تلبّي، كالخادم الأمين، ما يُطلب منها أن تقوم به. وجسَّدت في حياتها قول السيّد المسيح " ما جئت لأُخدَم، بلّ لأَخدُم" )مت 20: 28). فأدركت في العمق أنّ العظيم في عيني الربّ هو الذي يواضع ذاته ويخدم المسيح المتجلّي في وجه إخوته.

كما وأنّ رفقا فهمت أنّ للحياة أبعاد كثيرة، فلم تكتفِ لصقل شخصها بالبعد الروحيّ فقط. فهي كانت تغتنم الفرص لترتقي، مع ٱرتقائها على المستوى الروحيّ، على الصعيد الفكريّ أيضًا. فقد " كَانَتْ تَسْتَغِلُّ أَوْقاتَ الفَراغِ لِتَتَلَقَّنَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ والخَطَّ والحِسَاب". هذا العمل على الصعيد الفكريّ أسهم بشكل إيجابيّ في حياة القدّيسة رفقا الرسوليّ. فقد قصدت بعض القرى وراحت تعلّم الأولاد حاجيّات المجتمع آنذاك. غير أنّها لم تكتفي بما تعلّمته لتغني به الأطفال، بل راحت تنقل لهم اختبارها الشخصيّ مع المسيح، كما فعل هو بنقل سرّ الآب إلينا.

لكنّ درب رفقا لم يخلُ من المعاكسات الّتي جعلتها تختبر سقطات الصليب. فكان المسيح لها القيروانيّ الذي ساعدها على حمل صليبها إثر حلِّ جمعيتها معزّيًا إيّاها بحلمٍ ظهر لها فيه ثلاثة قدّيسين. ولبلسمة آلامها، لم يتركها في أرضِ صحرائها بل نقلها إلى أرض خصبة، إلى أرض الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة. راحت رفقا في هذه الأرض تفهم يومًا بعد يوم أن للآلام بعدٌ خلاصيّ، فلم تتردّد بطلبها، في عيد الورديّة، لتكون بدورها القيروانيّ للمسيح في درب آلامه. لم يتوانَ المسيح عن تحقيق طلب رفقا، فقُلعت عينها بسبب خطأ طبيّ، لتدخل في ليل الآلام الذي سيرافقها حتى بزوغ فجر القيامة.

تماهت رفقا مع المسيح في درب آلامه وهِيَ صابرَة، صامتَة، مُصلِّية، فَرِحة ومُرَدِّدة: "مَعَ آلَامِ الـمَسِيح". فلم يكن قلع عينها سوى خطوةً في درب الألم، إذ إنّ إنطفاء العين الأخرى وتفكّك عظامها قاداها حتّى تسليم الروح مع المسيح على الصليب، "يا أبتِ في يديك أستودع روحي" (لو 23: 46). وكما أنّ السِراجٌ " لا يُوقَدُ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بَل عَلى المـَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت")مت 5: 15)، هكذا أيضًا سطعت أنوار القيامة من قبر رفقا بعد وفاتها لتكون للكنيسة جمعاء شهادة على آلام المسيح الخلاصيّة، وسرّ الاشتراك بها. فمجد القيامة لا يمرّ إلا بدرب الصليب.